Thursday, January 04, 2007

وداعا للتدين الحركي !




نقلاً عن عبد الله الطحاوي –

ولاد البلد :


الناس استغربت من العرض العسكري الذي حدث في الأزهر وهو ليس الأول من نوعه فالكشافة والرياضة من صميم دعوة الإخوان، واندهشوا من عبارات مثل الربانية والحسبة واحياء الخلافة وأن يحكمنا ماليزي يعبد الطريق أمام الحجاج مع أن هذه الأفكار وغيرها كانت من صميم الأدب الحركي الشائع في السبيعينات والثمانينات..
لكن هل فكر البعض أن سر الإندهاش سببه أن الأفكار الحركية والتنظيمية لم تعد بنفس البريق..


التدين.. للجميع

ضعف الأطر التنظيمية ليس معناه تراجع التدين ذاته أو خفوت نزعات التطهر والخلاص، بل العكس صحيح.. فتدفق موجات التدين والمحافظة غير الحركية لا تخطئه عين ومحاولاتها أن تفتح طريقا ثالثا بين الاستقطاب الحادث بين النخب الحاكمة والجماعات، وهو أمر يجب ملاحظته.

لكن أيضا يجب أن تتابع أفول عشرات التنظيمات الدينية السلفية والدعوية سواء العنيفة أمثال الجهاد أو الجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة والقطبيين والتوقف والطلائع بملاحظة بعض المراقبين، وهنا يتداخل الإجهاد الحركي بسبب الضربات الأمنية مع الانشقاقات ولاينتهي عند شبه الهزيمة في معركة التناطح مع الدولة وما أستتبع ذلك من حصار وتشويه طال حتى الحركات السلمية مثل الإخوان.

وصولا إلى المراجعة التي كانت تحولا دراماتيكيا، حيث انقلب الإسناد النظري للنقيض ومعه منهج التلقي الشرعي، ومن كان عدوا صار حليفا أو محايدا وأنور "اليهود" صار أنور "الشهيد"، نفس الكلام يسطع على التنظيمات الدينية السياسية التي بدأت تفقد الكثير من رصيدها الرمزي.


غواص في بحر السياسة

مع الغوص السياسي تطفو التجارب وتظهر العورات وتوزن الشعارات على محك الانجاز، بل هذه الحركات ممتحنة أكثر في أكبر فكرة مركزية وهي الشمولية وعرض الدين كنظام شامل للحياة ومستوعبا لكافة أشواق التغيير.

لم تعد هذه الفكرة مع 88 نائبا في البرلمان المصري هي التحدي الأكبر وواضح أن التخصص أو التحول النوعي إلى جماعات متخصصة تقود النهضة بدلا من جماعة شاملة تريد أن تقوم بكل الأدوار بحسب رفيق حبيب ذلك هو التحدي الحقيقي..

نظر الشعوب محول الآن إلى ميزان المدفوعات لا للخلافة والغمامة والخراج! مقبول في البداية أن يقول البنا الاسم دين شامل وأن يقرع الجرس لينتبه الناس للدين.
لقد دخل التلامذة الفصول. ماذا سنقول؟


أبو زيد وسكته

فضلا عن التعثر الكبير لبعض التجارب الإسلامية التي وصلت للحكم مثل السودان طلبان. ووضع التيارات الحركية كعدو استراتيجي للولايات المتحدة حسبما أشار بوش في خطابه الأخير الذي شبه الحركات الإسلامية بالنازية وبالتالي سد هامش المناورة الدولية أمام التيارات الدينية وعليها أن تواجه ممانعة جيواستراتيجية كالتي واجهتها كافة الأفكار والايدولوجيات المناوئة كالشيوعية والفاشية حسبما صرح جون أبي زيد القائد الأمريكي.

كما ساعد الواعظون الجدد على خلخلة ضرورة التنظيمات وتم إضافة تخليقات مدنية مثل مشروع صناع الحياة والأفكار التنموية والطوعية وغيرها، دون كلفة التنظيم الأمنية أو أي خسارة تهدد المراكز السياسية أو الاقتصادية للمتدين.

لهذه الأسباب وغيرها نظر البعض ومنهم فتحي يكن أشهر من نظر للتنظيمات، للتنظيم الديني باعتباره وسيلة، والسبت للإنسان وليس العكس. والتفسير التنظيمي للقيم الإسلامية محل أخذ ورد فالواجب تعدد والمتمم له تعدد أيضا.


تصالح مع الحياة

كل هذا فتح الباب أمام انطلاق التدين غير الحركي أو المنتظم في جماعة، المتصالح مع مفردات الحياة الحديثة بل من أحد أسبابه القوية هو الاتصال الوثيق بهذه الحياة.
هم خريجو أنظمة تعليمية متقدمة ويتقنون عدة لغات، بعكس الحركيين ومعظمهم ـ ليس الكل ـ من المتصلين بالتعليم التقليدي. وإذا كان التدين الحركي ينظر إليه على أنه رد فعل على التحديث والتغريب فان التدين التطهري "التعبير لعبد العاطي محمد" أحد أسبابه الاتصال بالحداثة وأحيانا التوافق مع الغرب وثقافته.

والتدين الحركي في جوهره نشا كثورة ريفية وتمددت في الطبقة المتوسطة المحافظة تطويرا للتصوف القديم وتحوير الطريقة الصوفية إلى حركة كما فعل الإمام البنا. بخلاف التدين الخلاصي الذي يعبر عن المدينة وخياراتها الفردية.


ثورة من اجل الثروة

أحد صور التدين الحركي تجلت بسبب نقص الأشياء كما حدث كما حدث مع تزمرات الفقراء المهشمين، والمشهد منعكس إلى حدما مع التدين الجديد وأحد أسبابه كثرة الأشياء..

الثورة سببها الثروة هذه المرة والنجاح، لا الفشل، حيث يفتقد الإنسان المعنى والأمان فيحتاج إلى تعميق تجاربه الروحية والتطهرية فهو يحج كثيرا حتى يعود كيوم ولدته أمه ويبني مساجدا حتى تبنى له قصور في الجنة.. كله محسوب الأمر الذي ينعكس على الفرد بالإشباع والتوافق أكثر مع عالمه بعكس التدين الحركي النضالي الذي يسعى نحو تغيير العالم فالإيمان للاقتحام لا الانسجام.
ويلاحظ أن التدين لكلا الطرفين يرتبط بالاحتياج والانجاز والشعور بالضعف فهو من أجل التوازن، وبعض علماء النفس يرون أن التدين من عناصر الصحة النفسية (وننزل من القران ما فيه شفاء ورحمة للمؤمنين). فالتدين ليس عملية مجردة حيث يفترض تداخل العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر في عملية الاعتناق.


تدين نضالي

ولأن هدف التدين الكفاحي تغيير الحياة، يظل هدف التدين التطهري هو تحسين جودة الحياة، وبالتالي خيارهم السياسي أكثر مرونة فهو يميل للمحافظة بشكل عام ويجد في أي جناح محافظ داخل أي منبر سياسي مكان مناسب له ولأفكاره السياسية، وبالتالي من الممكن أن يكونوا جزءا من النظام السياسي الحاكم أو المعارض وهناك متدينون داخل الحزب الوطني، ومحجبات داخل لجنة السياسات (يمنى الحماقي) حتى في حزب التجمع.

فالتدين ليس جزء من مشروع سياسي بقدر ما هو إطار من القيم العامة والتصورات الفردية التي يحققها باندماجه النسكي والمشروعات المدنية، والمسؤلية فردية والإثم الشرعي سببه نقص تطهر وليس مضافا إليه الفشل في انجاز المهام الحركية والسياسية مثل إقامة الدولة وتطبيق الشريعة.
كما سدت الفضائيات الدينية التي انتشرت نقص الخدمات الوعظية، والتي كانت تقدمها الحركات الدينية وباتت تلك القنوات تتنافس على جذب المشاهدين وفتح كل الموضوعات وتوظيف كل تقنيات الميديا من أجل الرسالة الدينية وتوسعت في الخدمات الاستشارية والتدريبية والنفسية


الحجاب من أجل.. الجمال


وانتشر الحجاب الاجتماعي لا الحركي والذي تبرز فيه عناصر الجمال والإشراق أكثر من عوامل التمييز وصارت هناك محلات وعروض أزياء متخصصة في هذه المجالات والحجاب يمكن إرجاعه إلى عادة الاحتشام كما يقول د. عبد العاطي محمد في كتابه "شيوخ بلا خناجر" وصار رائجا أن تتم مشاهدة المحجبات وهم يواظبون على المصايف والحفلات الغنائية والمقاهي وصار منهن إبطال في الرياضة وفنانات يستكملن مسيرتهن الفنية بعد ارتداء الحجاب.

وإذا كان التدين هو من ثوابت الاجتماع الديني العربي والمصري بشكل عام فإنه من المهم ملاحظة أن هذا التدين يعبر عن نفسه في صورة متعددة، حيث وجد في الجماعات الحركية متنفسا يستهدف إحياء القيم الدينية ومقاومة نزعات التغريب والتحدي الاستعماري الذي استهدف الأرصدة الرمزية مثل الخلافة.

ووصولا إلى مرحلة السبعينات حيث تم اعتبار التدين الحركي هو الأكثر نسكية واقترابا من الله. هذا التراجع الذي يلحق التدين الحركي سبقه تراجع للكثير من للايدولوجيات الشاملة قومية وشيوعية وتواعدوا جميعا عند نفس السبب تقريبا وهو التحديث والتطوير.. لم تعد المجتمعات في حاجة للمهمات الكبرى والأحلام المدوية وباتت أحلامها بسيطة ولن تلهيها ايدولوجيات حركية أو غير حركية وراء الجري وراء لقمة العيش الشعوب في انتظار حكومة توفر لها أمن السرب وصحة البدن وقوة البدن قبل أن تتحدث عن الجنة.

3 comments:

شادي أحمد said...

بسم الله الرحمن الرحيم
نصحني صديقي أحمد ندا بقراءة هذا المقال للأستاذ الطحاوي ، و جزاه الله خيرا على نصحه ، لأن المقال جيد بالفعل و بلا أدنى مبالغه لا لصديقي و لا لأستاذنا الطحاوي
و الفقير إلى الله الآن متعجب بشدة لما سمعت عن بذاءات و انتقادات لاذعة خرجت عن الذوق العام في تعليقات سابقة على هذا الموضوع ، و أتشوق لرؤية التعليقات بعد إصلاح المشكلة التقنية التي حدثت بالموقع و التي أودت بإزالة الردود (مؤقتاً)
و لكن يمكننا التكهن ببعض الردود من خلال عدة عناصر منها الجو العام الذي احتل ساحة التعليقات في عشرينات (للأسف)
فأوجه تساؤلي إلى المنتمين لأي تيار ( اخوان ، سلفية ، تبليغ .....
هل يجوز لنا الاساءة لأحد لمجرد أنه لم يمدحنا ؟ هل يجوز لنا تكفيره ؟ هل يجوز لنا نعته بالعمالة و الموالسة لمجرد أنه وصف واقع معاصر مهما كان سلبياً أم ايجابيا ؟
أبتنا نختلق الخلاف لمجرد الاختلاف ؟

أستاذ عبدالله كأنك كنت تصف الفقير إلى الله فعلاً في المقال عندما تحدثت عن المتدينين الغير حركيين ، المتطهرين ( أتعرف أن اسم مدونتي هو " متطهر " ؟ و هذا الاسم لا أدعيه لذاتي الحقيرة و لكني أرجوه من فضل المولى عز و جل ، و اخترته من القرآن الكريم منذ سنة و استقريت عليه لتسمية مدونتي منذ مايزيد على شهرين ) أو كما يسميهم أستاذ حسام تمام بالمتدينين الجدد ، و لا أرى في ذلك أي عيب أو نقيصة
فبالفعل ليس لي انتماء لتيار او جماعة او حزب بعينه ، و لكن لا يعني ذلك ان طموحي وواجبي الايماني فردي فقط ، و أشدد على هذه النقطة فليس كل من لا يتبع جماعة هو انسان متقوقع

أمنية محبة صادقة إلى المحررين بعشرينات و كاتب هذا المقال : عليكم بمراجعة المقالات قبل نشرها لغويا و نحويا ، لأن هذه الأخطاء قد تشكل على الفهم في بعض الأحيان ، فإن كان بهذا المقال عيب ، فهو عيب وحيد وجود عدد من الأخطاء الناتجة عن السرعة في الكتابة ( كلمات ناقصة .. حروف سقطت .. عبارات معادة ...

Anonymous said...

أنا معجب جدا باختياراتك يا شادي للكتب و الموسيقى و الموضوعات
إلى الأمام دايما

شادي أحمد said...

شكرا يا محمد
بس ايه رايك فعلا في الدعاء اللي محطوط حاليا بصوت الفنان السوري غسان مسعود ؟